تمهيد:
تأتي أهمية الموازنة بوصفها
قضيةٍ نقديةٍ،من حقيقة أنّ ما من قارئٍ للشعر إلّا ويقوم بعملية المفاضلة والموازنة
بين ما يقرؤه وبين ما تختزنه ذاكرته الأدبية؛بالإضافة إلى كونها من القضايا
الأدبية التي امتاز بها النقد العربي القديم،فأخذت مكاناً بارزاً فيه.
مفهوم الموازنة
:
لغةً:وزن:الوَزْنُ:رَمْزُ
الثِّقَلِ والخِفَّةِ.قال الليث([1]):الوَزْنُ
ثَقْلُ شيء بشيء مثلِه كأَوزان الدراهم،ومثله الرَّزْنُ،وَزَنَ الشيءَ وَزْناً
وزِنَةً.قال سيبويه([2]):اتَّزَنَ
يكون على الاتخاذ وعلى المطاوعة،وإِنه لحَسَنُ الوِزْنَةِ أَي الوَزْنِ.قال
أَبومنصور([3]):ورأَيت
العرب يسمون الأَوْزانَ التي يُوزَنُ بها التمر وغيره المسَوَّاةَ من الحجارة والحديد
المَوَازِينَ،واحدها مِيزان،وهي المَثَاقِيلُ واحدها مِثْقال،ويقال للآلة التي
يُوزَنُ بها الأَشياء مِيزانٌ أَيضاً؛قال الله تعالى:([4])﴿ونَضَعُ
المَوازِينَ القِسْطَ﴾؛يريد نَضَعُ المِيزانَ القِسْطَ.ويقال:وَزَنَ
فلانٌ
الدراهمَ وَزْناً بالميزان،وإِذا كاله فقد وَزَنَه أَيضاً.ويقال:وَزَنَ الشيء إِذا
قدَّره،ووزن ثمر النخل إِذا خَرَصَه.ويقال:وَزَنْتُ فلاناً ووَزَنْتُ لفلان،وهذا
يَزِنُ درهماً ودرهمٌ وازِنٌ؛وقال قَعْنَبُ بن أُمِّ صاحب:([5])
مثْل العَصافير أَحْلاماً ومَقْدِرَةً لويُوزَنُون بِزِفّ الرِيش ماوَزَنُوا
ووازَنْتُ بين الشيئين
مُوَازَنَةً ووِزاناً،وهذا يُوازِنُ هذا إِذا كان على زِنَتِه أَوكان مُحاذِيَهُ. ويقال([6]):وَزَن
المُعْطِي واتَّزَنَ الآخِذُ،كما تقول:نَقَدَ المعْطِي وانْتَقَد الآخذُ.وقيل:من
كلّ شيء مَوْزونٍ أَي من كل شيء يوزن نحو الحديد الرَّصاص.والمِيزانُ:المِقْدار،وأَنشد
ثعلب([7]):
قد
كُنْتُ
قبل لقائِكُمْ ذا مِرَّةٍ عِنْدي لكل
مُخاصِمٍ ميزانُه
وقام مِيزانُ النهار أَي
انتصف.وامرأَة مَوْزونةٌ:قصيرة عاقلة.قال أَبوزيد([8]):أَكل فلان
وَزْمَةً ووَزْنَةً أَي وَجْبةً.وأَوْزانُ العربِ:مابَنَتْ عليه أَشعارها،واحدها
وَزْنٌ،وقد وَزَنَ الشِّعْرَ وَزْناً فاتَّزَن. المِيزانُ:العَدْلُ.ووازَنَه:عادله
وقابله.وهو وَزْنَهُ وزِنَتَهُ ووِزانَهُ وبوِزانه أَي قُبَالَتَه.وفلان أَوْزَنُ
بني فلانٍ أَي أَوْجَهُهُمْ.ورجل وَزِينُ الرأْي:أَصيله،ووَزَنَ الشيءُ
رَجَح،ويروى بيتُ الأَعشى:
وإِن يُسْتَضافُوا إِلى حُكْمِه يُضافُوا إِلى عادِلٍ قد وَزَنْ
وقد وَزُنَ وَزَانةً
إِذا
كان متثبتاً.وقال أَبوسعيد([9]):أَوْزَن
نفسَه على الأَمر أوزنها إذا وَطَّنَ نفسه
عليه.
هي دراسة
يتم من خلالها المقارنة بين عناصر الأدب،وفنونه،وعصوره،ورجاله
بقصد الإيضاح والترجيح .
تاريخ ظهورها:
والموازنة
بين الشعراء هو عمل لا يختصُّ به نقَّاد الأدب فحسب،لأنه يمثل مرحلة بدائية من
مراحل الحكم التقويمي الجمالي بين الشعراء،وهو غالباً ما يتبع الذوق الفردي، ويقوم
به كل القرَّاء،ويتحدث غير كتابٍ،عن الأحكام الجمالية التقويمية بين الشعراء، والتي
قام بها أعلام لا يجمعون صفات الناقد، كالمحاكمة التي أجراها النابغة بين الخنساء
وحسان بن ثابت.وقد ظهرت الموازنة مبكرة في تاريخ الأدب العربي وبقيت تسايره على مرّ
العصور إلى اليوم،وستبقى دائماً من وسائله النقدية والتاريخية،فإذا صحّ ما روي عن
قصة أمّ جندب([11])
وموازنتها بين امرئ القيس وعلقمة في وصف الفرس،فقد
كان لنابغة بني ذبيان خيمة بسوق عكاظ يجتمع فيها الشعراء،وينشدونه أشعارهم
،ومن أنّه كان الحكم الأدبي بين شعراء عكاظ،دلّنا ذلك إلى أنّ الموازنة كانت
أساساً للمفاضلة منذ الجاهلية،وكانت مدرسة الحطيئة وكعب بن زهير مقابلة لمدرسة
الشماخ وأخيه مزرد،وفي صدر الإسلام كانت الموازنة بين القرآن الكريم وبين كلام
العرب،وبين شعراء الرسول(@)وخطبائه من ناحية وبين
شعراء الوفود العربية وخطبائهم من ناحية أخرى([12])،وأمّا
العصر الأموي فقد كان زاخراً بالموازنة بين الفحول من الغزليين والسياسيين من الشعراء،وبين الخطباء
والأدباء جميعاً([13])،فخلّف
لنا ثروة نقدية قيمة على الرغم من تأثرها بالعصبيات والأهواء والأمزجة.
وقد أذكت نار الموازنات تلك،قضايا ذات أهمية في
النقد،منها ظهور شعراء النقائض وظهور الشعراء المجدِّدين،وبزوغ المعارك
النقدية،مثل المعركة التي دارت حول إرجاع الجودة للفظ أم للمعنى،وبين أنصار الطبع
والصنعة،أوبين أصحاب عمود الشعر ومذهب البديع،وتُعَدُّ الموازنة،وهي جزء من منهج
المفاضلة بين الشعراء،الشكل التطبيقي للنقد الذي يهدف إلى التقويم والحكم على
أعمال النقَّاد،وما يُميِّز هذه القضية أنّ أكثر النقَّاد في التاريخ العربي قد
وازنوا بين الشعراء،وهذا مما أدَّى بموازناتهم التي كانت تُعتَمد معايير ذوقية؛لأن
تذهب باتجاه التعليل.
وأمّا في العصر العباسي فقد بدأ هذا الفن النقدي نشيطاً
بين بشّار بن برد ومروان بن أبي حفصة،وبين أبي تمّام والبحتري،وبين المتنبي
وخصومه،وقد انسحب على النّثر أيضاً، فكانت الموازنة بين الخطباء والكتاب وبين
اللفظ والمعنى،وبين الفكرة والفكرة،والخيال والخيال وفي كلّ ماهو صالح لهذا الضّرب([14])،وهذا
عصرنا الحديث يتّخذ الموازنة أساساً
لأبحاثه نزولاً على طبيعة الدراسات في أصحّ أوضاعها وأقوم سبلها؛فذلك من الناحية الفنية،وأمّا من الناحية التاريخية
المتصلة بالتدوين وتقرير الآراء وأصول الموازنة فلم تتخلف كثيراً عن ذلك، وكان
محمد بن سلام الجمحي([15])مِن
أسبق مَن عرضوا للموازنة في كتابه"طبقات فحول الشعراء"،فإنّه جعل أؤلئك
الشعراء طبقات قام على
الموازنة الفنية.
وجاء ابن
قتيبة([16])في
كتابه"الشعر والشعراء"فظهرت الموازنة عنده
في اختياره لكلّ شاعر ما يراه جيداً وفي تقسيمه الشعر أقساماً فنية أربعة،والشعراء
إلى مطبوعين ومتكلفين وفي غير ذلك،وكان الصولي([17])في(أخبار
أبي تمام)مصنفاً بين القدماء والمحدثين حين عرّف لكلّ فريق تجويده في وصف بيئته
التي شهدها دون الأخرى التي يصفها تقليداً،واستشهد لذلك بقول أبي نوّاس:
صفة الطلول بلاغة القدم فاجعل صفاتك لابنة الكرم
ثم ساق في
كتابه أمثلة للموازنة بين أبي تمّام والبحتري.ونصل إلى النصف الثاني من القرن
الرابع دون أنْ نجد أحداً من النقاد
يتقدّم للفصل في هذه المعركة فصلاً يقوم على الموازنة الدقيقة بين فني الشاعرين،وبيان منزعهما في الشعر بياناً مضبوطاً
يؤسس على الفحص والامتحان،حتى يظهر
الآمدي فنراه يضع الموازين التي يقيس بها عمل الشاعرين في كتابه(الموازنة بين شعر
أبي تمام والبحتري)([18])وهو
أول كتاب-فيما نعرف-يتصدى للمقارنة بين شاعرين؛لبيان الاختلافات الجوهرية
بينهما،وما يمتاز به كلّ منهما في صفاته وخصائصه،وهي موازنة منهجية في ناحيتيها
المختلفتين:ناحية المفاضلة وناحية استنباط
الخصائص،والناظر في تاريخ النقد العربي،يرى إنّها الوحيدة من نوعها إذ أنّ
المؤلفين اللاحقين قد اكتفوا بأحد أمور:
1- إمّا أن
ينقلوا إلينا آراء السابقين في المفاضلة بين الشعراء،وهذا ما نجده في العمدة لابن رشيق القيرواني( . ([19]
2- وإمّا
أنْ يأتوا بموازنة وصفية عامة كتلك التي يوردها ابن الأثير([20])عندما
يوازن بين أبي تمام والبحتري والمتنبي،ويحدد فيها خصائص كلّ منهم.
3 - وإمّـا أنْ يضعوا مقاييسَ للحكم على جودة
الشّعر أورداءته كما فعل عبد القاهر الجرجاني في كتابه"الوساطة".
وجاء بعد
ذلك ابن رشيق في كتابه)العمدة(([21])فألمّ
بآراء سابقيه ممّا يتصل بالموازنة، فأورد
كثيراً من آرائهم،كقول أبي عمرو بن العلاء في المولدين:ماكان من حسن فقد سبقوا إليه
وما كان من قبيح فهو من عندهم،وليس النمط واحداً.ومثله في ذلك الأصمعي وابن
الأعرابي فكلّ واحد يذهب في أهل عصره
هذا المذهب،ثم يورد لابن قتيبة كلاماً يشبه ما مرّ للصولي،وما قيل من أنّ علي بن
أبي طالب كان يفضّل امرئ القيس على الشعراء وينتهي الأمر إلى ابن الأثير في)المثل
السائر في أدب الكاتب والشاعر(([22])فيوازن
بين أبي تمام والمتنبي والبحتري ويفضلهم على جميع شعراء
العربية إلى عهده وينتهي من الموازنة إلى أنّ الأولين حكيمان والشاعر هو البحتري.
ومن المعاصرين الذين كتبوا في الموازنة د.زكي
مبارك في كتابه)الموازنة بين الشعراء(([23])،
فقد ألمّ بأهواء النقاد،ودعا إلى وجوب البراءة منها،والموازنة عنده نوع من النقد
والوصف، وعلى المـُوازِن أنْ يعرف حياة من يوازن بينهما ويصل بين نفسه
ونفسيهما؛لأنّ الأديب يؤدي رسالة في جيل خاص وبيئة خاصة،وأن يوسع أفق النقد،وأن
يكون واضحاً ذا ذوق سديد، وعليه في الموازنة بين الشعراء أنْ
يدرس نواحي اشتراكهم وافتراقهم وابتداعهم وأخذهم إلى غير ذلك.
فهذا العرض
التاريخي السريع يعيننا على وضع الأصول اللازمة لعقد الموازنات الأدبية بين الكتاب
والخطباء والشعراء.
أمّا عن
الناقد فيجب أنْ يتوافر له من كفاية فنية،ونزاهة أدبية،وخطّة علمية،ونريد هنا ما
يتصل بفن الموازنة وأهمّ ذلك ما يلي([24]).
1- أنْ
يكون ملمّاً بسيرة كلّ ممن يوازن بينهم ،فلكلّ حياته الخاصة التي طبعت آثاره طابعاً خاصاً إذا عرفها الناقد
استطاع أنْ يفسر بها ما يميزه عن زميله أويعرف سبب فضله عليه في كلّ فنونه أوفي
بعضها.
2- أنْ
يتبين النواحي التي اشترك فيها
الأدباء أوالآثار الأدبية التي اختلفوا فيها،ثم ينتقل إلى الأفكار والأخيلة والأساليب،وإلى
الموضوعات لتكون موازنته عامة.
3- ولابد
من معرفة مبتكرات كلّ واحد أوسرقاته وكيف أخذهاومقدارمايفرقه عن زميله، ويظهر ذلك
جلياً إذا اتّحدتْ الموضوعات والفنون الأدبية.كما يتّضح في الموازنة بين العصور
الأدبية والتاريخية،فلكلٍّ خواصه التي تميزه وإنْ كانتْ كلّها قائمة على الأدب
وفنونه ورجاله،أو على العوامل السياسية والاجتماعية التي تحيل الحياة وتدفع الشعوب
في طريق الحياة أوالممات.
وأمّا عن
الأوضاع اللازمة لعقد هذه الموازنة فهي كثيرة ومتنوعة،ولكنّها جميعاً تعود إلى أصل
واحد؛هوأن طرفي الموازنة لابد أنّ يكون بينهم اتفاق
من ناحية واختلاف من ناحية أخرى،فالأشياء المتفقة في كلّ شيء-على فرض وجودها-لا
معنى للموازنة بينها إذ هي شيء واحد مكرر الصورة،والأشياء المختلفة في كلّ شيء-على
فرض وجودها-لا معنى للموازنة بينها كذلك.
[1])"لسان العرب"،لابن
منظور(محمد بن مكرَّم بن على 630-711هـ)،تصحيح:أمين محمد عبد الوهاب ومحمد الصادق
العبيدي،ط ثالثة،إحياء التراث العربي،بيروت،1999م،ج27،مادة:وزن.
[2])"العين"،للفراهيدي،ج2،مادة:وزن.
[3])"تهذيب
اللغة"،للأزهري،ج2،مادة:وزن.
[4]) القرآن الكريم،سورة
الأنبياء،الآية:47.
[5])"الصحاح"ج6،مادة:وزن
[6])المصدر نفسه،ج6،مادة:وزن .
[7])"لسان العرب
"،ابن منظور،ج27،مادة:وزن.
[8])"تهذيب
اللغة"،للأزهري،ج2،مادة:وزن.
[9])"العين"،الفراهيدي،ج2،مادة:وزن.
[10])"كتاب
التعريفات"،لعلي بن أحمدالجرجاني،ط مكتبة لبنان،بيروت،1985م،ص:167.
[12])"طبقات فحول
الشعراء"،لابن سلام،ج1،ص:58.
[13])المصدر نفسه:"طبقات
فحول الشعراء"،ج1،ص:98.وانظر"العمدة في محاسن الشعر وآدابها "لابن
رشيق،ص:296.
[14])"العمدة في محاسن
الشعر وآدابه"،لابن رشيق،ص:69-247-327.
[15])"طبقات فحول
الشعراء"،لابن سلام،ج1،ص:15-50.
[16])"الشعر
والشعراء"،لابن قتيبة،ج1،ص:62-93.وانظر:"دراسات في مصادر
اللأدب"،د.الطاهر أحمد مكي،ط8،دار الفكر العربي،القاهرة، 1999م،ص:242.
[17])"أخبار أبي
تمام"،للصولي،ص:45..
[18])"الموازنة بين شعري أبي تمام و البحتري"،للآمدي،تحقيق:السيد أحمد صقر،دار
المعارف،القاهرة،1965م،ص:5.ومابعدها.
[19])"العمدة في محاسن
الشعر وآدابها"،لابن رشيق القيرواني،ص:63 ومابعدها.
[20])"المثل السائرفي أدب
الكاتب و الشاعر"،لابن الأثير،ص:235 ومابعدها.
[21])"العمدة في محاسن
الشعر وآدابه"،لابن رشيق،ص:81.
[22])"المثل السائرفي أدب
الكاتب والشاعر"،لابن الأثير،ص:235 ومابعدها.
[23])"الموازنة بين
الشعراء"،د.زكي مبارك،انظر مقدمة الكتاب ،ص:3 ومابعدها
[24])"معجم المصطحات
الأدبية"،إبراهيم فتحي،المؤسسة العربية للناشريين،صفاقص،تونس،1986م،ص:390.
شكرا
ردحذف[11]"الأغاني"،لأبي الفرج الأصفهاني،ج7،ص:128.
ردحذف[12])"طبقات فحول الشعراء"،لابن سلام،ج1،ص:58.
[19])"العمدة في محاسن الشعر وآدابها"،لابن رشيق القيرواني،ص:63 ومابعدها.
اريد من فضيلتك ان تبين لي هذه المعلومات ( مكان الطبع، و سنة الطبع، و اسم المحقق) لاني محتاج الى هذه المصادر لبحث التخرج...وشكرا كثيرا.
ارجوكم اريد مصادر و مراجع مع اسماء الكتاب لموضوع الموازنات النقدية لانني احتاجه في بحث.جامعي و جزاكم الله كل خير
ردحذفشكراااااااااااااااا
ردحذف