شرح قصيدة المعهد العلمي للشاعر التجاني يوسف بشير
إعداد وشرح وتحليل .د .أبوهداية محمد إسماعيل محمد
للشاعر:التجاني
يوسف بشير
ولد بمدينة
أمّ درمان سنة 1912م،والتحق بخلوة الكتيابي وحفظ القرآن في سنّ مبكرة،ثمّ التحق
بالمعهد العلمي سابقاً(جامعة أمّ درمان الإسلامية الحالية)،واطلع على كتب الأدب
والفلسفة فنضجت أفكاره وقال الشعر الجيد في مقتبل عمره،وكانت له آراء خاصة في
قضايا الأدب والفلسفة خرجت من مألوف المعهديين فكانت سبباً في فصله من المعهد
بتهمة الكفر والإلحاد.
فكّر في
الذهاب إلى مصر بعد فصله من المعهد،ولكنّ ظروفه المادية حالت دون ذلك،فعمل بائعاً
للبنزين في إحدى محاله،ثمّ محرراً في مجلة(أمّ درمان). لم يمنعه العمل من مواصلة الاطلاع والسهر مع
الكتب مما أثّر في صحته فأُصيب بداء الصدر الذي قضى عليه عام 1927م قبل أن يتجاوز
الخامسة والعشرين من عمره.
له ديوان
شعر مطبوع اسماه(إشراقة)ومجموعة من المقالات الأدبية والنقدية بمجلة الرسالة
المصرية والنهضة السودانية تدلّ على سعة أفقه،وتفتّح ذهنه،وتمكنه من اللغة والأدب
والفلسفة.
مناسبة القصيدة: كان
الشاعر من الطلاب المبرزين في المعهد العلمي،مولعاً بالأدب والفلسفة،وله آراء
فيهما تخالف تقاليد المعهديين،مما دفع الطلاب لحسده،فرموه بتهمة الكفر والإلحاد
زاعمين أنّه فضّل شعر أحمد شوقي على القرآن الكريم مما أدّى إلى فصله من المعهد
فكتب هذه القصيدة يعبّر فيها عن شعوره نحو المعهد ،ويُـشير إلى ما اتّهم به،ويسخر
من حاسديه.
النصّ: السحر فيك وفيك من أسبابه دعة المــُدلّ بعبقري شبابهِ
يامعهدي ومحطّ عهد صباي من دار تطرّق عن شباب نابهِ
قسم البقاء إليك في أقداره من شاد مجدك في قديم كتابهِ
وأفاض فيك من الهُدى آياته ومن الهوى والسحر ملء نصابهِ
المفردات:السحر:الجمال
والحسن،أسبابه:جمع سبب وهو الطريق،الدعة:الخفض،المدلّ:الواثق المعتد، عبقري:نسبة
إلى وادي عبقر بالجزيرة العربية،كانت العرب تزعم أنه تسكنه الجنّ،فنسبوا إليه كل
شئ أعجبهم حسنه وجودته،محط:منزل، تطرّق عن:خرج
من،أفاض:ملأ،آياته: علاماته، النصاب: الأصل.
المعنى:بدأ الشاعر القصيدة
بمناجاته للمعهد قائلاً: الجمال والحسن ودواعيه،ومن دواعيه أنّ فيك هولاء الشباب
الذين يعيشون في خفض، الشباب المعتدون بأنفسهم،وشبابهم الخلاق،عجباً لك دار قضيت
فيها أيام صباي،وتُخرّج شباباً نابهين،وإنّ الله قد كتب لك الخلود والبقاء لأنّه
بنى لك مجداً في كتابه الأزلي،وقد جعل فيك مقداراً عظيماً من علامات الهدى والحبّ
والحسن،ولعله أراد بعلامات الهُدى علوم القرآن التي تُدرّس في المعهد،والحبّ أراد
حبّ طلاب المعهد له،وحبّ غيرهم للمعهد.
الصورة الجمالية:تجسيد
المجد حيث استعار له التشييد مشبهاً له بالمبنى:
النّصّ: اليوم يدفعــــني الحنــــــين
فأنثــني ولهـان مضــطـرباً إلى أعتـابهِ
سبق الهوى عيني في مضماره وجرى وأجفل خاطري من بابهِ
المفردات:
أنثني:أرجع،المضمار:المكان الذي تجتمع فيه الخيل للسباق.
المعنى:يتحدث
الشاعر عن حنينه للمعهد العلمي بعد أن تمّ فصله قائلاً:اليوم يدفعني حنيني إلى
المعهد فأرجع إليه ولهان من شدّة حبّي له مضطرباً لما يطوف بذاكرتي من مأساتي
فيه،فقد أحببته قبل أن أراه وعندما دخلته فُصلتُ منه بعد ذلك ابتعدتُ عنه خائفاً
مضطرباً.
الصورة
الجمالية:تجسيد
الهوى في صورة إنسان يسابق ويدفع وله عينان،وتجسيد الخاطر في إظهاره بصورة إنسان
أوحيوان يجري، ويجفل عند باب المعهد.
النّصّ: ودّعتُ غضّ صباي تحت ظلاله ودفنتُ بيض سني في محرابهِ
ولقيتُ من عنتِ الزيود مشاكلاً وبكيتُ من عمرو ومن إعرابهِ
نضّرتُ فجر سني من أندائه واشترتُ ملء يدي من أعنابهِ
المفردات:الغضّ:الناعم
الطري،المحراب:صدركل مكان محرابه،عنت:مشقة وتعب،الزيود جمع زيد،وزيد وعمرو اسمان
معربان ضُربت بهما الأمثال كثيراً في كتب النحو القديمة،نضّرت:حسّنت
وزيّنت،أندائه:جمع ندىأي قطرات الماء،واشترت: جنيت.
المعنى:لقد قضيت في المعهد
أيام صباي الحالمة التي انتهت بخروجي منه،وبخروجي منه انتهت أيام هنائي وسعادتي
لتستقبلني الحياة بمشاقها وعنائها،وكانت دراسة النحو مصدر شقاء وتعب لي في المعهد
أي كان يفضل دراسة الأدب على النحو،أنني حسّنت أيام حياتي الأولى وزينتها بما
تلقيته من علوم فيه.
الصورة الجمالية:تجسيد
الصبا بوصفه غضّ،وتجسيد السنين حيث استعار لها البياض،وكنّى ببياض السنين عن السعادة
والهناء، وكنّى عن النحو بالزيوت
وعمرو،واستعار الفجر لسنينه الأولى مشبهاً عمره باليوم،واستعار النضارة
للسنين،واستعار الأنداء والأعناب للعلوم التي تلقاها في المعهد حيث شبّه المعهد
بالبستان.
النّصّ: رفع الشباب إليك من أقلامه عمداً مركّزة على آدابهِ
وتسابقوا للمجد فيك وكلنا علق بحقو المجدمن طلابهِ
حتّى يكون المجد وهو مصوّحٌ في الأرض منقلبٌ على أعقابهِ
صوراً موثّقة العرى في ناشئ حدثٌ مصوّرة على أعصابهِ
والمجد أجدر بالشباب وإنّما للناس موجدة على أصحابه
المفردات:عمد:جمع
عمود،علق:متعلّق،حقو:خصر،مصوّح:يابس،موثقة:محكمة،العرى:جمع عروة أي عقدة،
ناشئ:غلام،حدث:شاب،أجدر:أخلق وأليق،موجدة:حقد وحسد.
المعنى:إنّ طلاب المعهد
العلمي قد تصدوا للدفاع عن قضايا العلم والمعرفة معتمدين على ما تلقوه من علوم في
المعهد،وقد تسابقوا نحو المجد فأدركوه،حتّى يعيدوا ذلك المجد الضائع إلى حاله
الأولى وأصله القديم أي إلى الأمّة العربية،وحتّى يكون المجد همّاً شاغلاً لكل طفل
عربي لايبرح عقله وخياله لحظة،وعلى الشباب أن يسعوا في تحقيق المجد لأنّه أليق بهم
ولكن عليهم أن يعوا أنّهم سوف لن يسلموا من الحقج والحسد أذا ما كانوا من طلاب
المجد لأنّ الناس يحقدون على طلاب المجد؛وكأنّه بذلك يُشير إلى نفسه وحسد طلاب
العلم له.
الصورة الجمالية:شبّه
الأقلام بالأعمدة،وشبّه ما تلقاه الطلاب من علوم بأرض صُلبة تستند على تلك الأعمدة
،وشبّه قضايا العلم والأدب بشئ يستند على تلك الأقلام،وجسّد المجد بأن استعار له
الحقو يمسك به طلاب العلم من خصره،واستعار لذلك للمجد التصويح،وشبّه المجد بالصورة
التي تعلق بأذهان وعقول الناشئين.
النّصّ: هو معهدي ولئن حفظتُ صنيعه فأنا ابن سرحته الذي غنّى بهِ
فأعيد ناشئة التقى أنْ يرجفوا بفتًى يمتُّ إليه في أحسابهِ
المفردات:صنيعه:معروفه،سرحته:السرحة
الشجرة العظيمة،أعيذ:أربا وأسمو بهم،ناشئة التقى:الناشئين على
التقوى،يرجفوا:يختلقوا الأكاذيب،يمتّ إليه:يتصل به،أحسابه:أنسابه.
المعنى:لئن حفظت فضل المعهد
عليّ فلا أثاب على ذلك لأنني نشأت تحت ظلاله وتغنيت بجمال صنيعه للأمّة، وكنت أرى
طلاب المعهد أكبر من ختلاق الأكاذيب التي تسئ إلى المعهد فيرموني بها وأنا أقربهم
صلة بالمعهد، وأشدّهم حبّاً له،فمثل هذه الأخلاق والفعل لا يتوقع من طلاب نشئوا
على التقوى.
الصورة الجمالية: استعار
السرحة للمعهد،وشبّه نفسه بعصفور،وكنّى عن طلاب المعهد بناشئة التقى، وشخّص المعهد
في صورة إنسان تربطه به صلة النسب بالشاعر.
النّصّ: مازلتُ أكبر في الشباب
واغتدي وأروح بين بخٍ ويا مرحى بهِ
حتّى رُميتُ ولست أول كوكبٍ نَفَسَ الزمان عليه فضل شهابهِ
المفردات:أكبر:أُقدّر
وأجلّ،اغتدي:أذهب عند الغدو أي مبكراً،أروح:من الرواح وهوالعودة عشاء،بخٍ:لفظ يقال
عند المدحوالرضاء والاستحسان،مرحى:مرحب،رميت:اتهمت كذباً،نفس:حسد،الشهاب:الضو
الساطع.
الصور
الجمالية:استعار
الكوكب للنابغين.
النّصّ: قالوا وأرجفتْ النفوس وأوجفتْ هلعاً وهاج وماج قسور غابهِ
كفر ابن يوسف من شقّي واعتدى وبغى ولست بعابئ أو آبه
قالوا أحرقوه بل اصلبوه بل
انسفوا للريح ناجس عظمه وأهابهِ
ولو أنّ فوق الموت من متلمّس للمرء مُدّ إليّ من أسبابهِ
المفردات:أرجفت:خاضت فيما يثير
الفتنة،أوجفت:اضطربت،هاج:ثار،ماج:اضطرب،القسور:الأسد،ابن يوسف:كنّوا عنه بذلك
تحقيراً له،بغى:جار وحاد عن الحق،عابئ:مبال،آبه:مهتم،انسفوا:ذروا،ناجس:نجس،إهابه:
جلده،متلمس:مطلوب،أسباب:جمع سبب وهو الطريق.
الصورة
الجمالية:استعار
القسور لشيخ المعهد.
جزيت خيرا
ردحذف