الأحد، 11 فبراير 2018

( شرح قصيدة يا حسرة لأبي فراس الحمداني)

إعداد وشرح وتحليل  .د .أبوهداية محمد إسماعيل محمد 


التعريف بالشاعر
أبو فراس الحمداني: هو الحارث بن سعيد بن حمدان الحمداني، ولد في الموصل سنة320هـ- 932م.وهو شاعر عباسي.
قُتل والده وكان أبو فراس في الثالثة من عمره، رعاه عمه سيف الدولة، نشأ على الفروسية وحُب القتال،وكريم الخصال. شاءت الظروف أن يأسره الروم وتطول مدة الأسر به. ولسبع سنين كانت قصائده تلح على سيف الدولة ليفتديه من الروم .توفي سنة357ه- 967م.
مناسبة النص:
إن أبا فراس بلغه خبر مجيء والدته تكلم سيف الدولة في أمر مفاداة ابنها المأسور، ولكنها لم تلق عند سيف الدولة حُسن الوفادة، بل أن سيف الدولة رأي أن يعامل أسرى الروم لديه بالقسوة، ومن ثمَّ لقي أسرى العرب عند الروم من جراء ذلك، المعاملة نفسها، وأبو فراس واحد من هؤلاء الأسرى عند الروم.
نحاول هذه المحاضرة أن تقف على رومية أبي فراس الحمداني التي كتبها في أسره في بلاد الروم.
القصيدة:
يَا حَسْرَةً مَا أكَادُ أحْمِلُهَا،                    آخِرُهَا مُزْعِجٌ، وَأوّلُهَا
عَلِيلَةٌ، بِالشّامِ مُفْرَدَةٌ،                       بَات، بأيْدي العِدى، مُعَلِّلُهَا
  تُمْسِكُ أحْشَاءَهَا، عَلى حُرَقٍ                 تُطْفِئُهَا، وَالـهُمُومُ تُشْعِلُهَا
 إذا اطمأنّتْ، وَأيْنَ؟ أوْ هَدَأتْ،                   عَنّتْ لَهَا ذِكْرَةٌ تُقَلْقِلُهَا
   تَسألُ عَنّا الرُّكْبَانَ، جَاهَدَةً                         بِأدْمُعٍ مَا تَكَادُ تُمْهِلُهَا
  يا مَنْ رَأى لي، بِحصْنِ خَرْشَنَةٍ،       أُسْدَ شَرىً، في القُيُودِ أرْجُلُهَا
    يَا مَنْ رَأى لي الدّرُوبَ، شامِخَةً              دُونَ لِقَاءِ الحَبِيبِ أطْوَلُها
   يا مَنْ رَأى لي القُيُودَ، مُوثَقَةً                   عَلى حَبِيبِ الفُؤادِ أثْقَلُهَ!
          يَا أيّهَا الرّاكِبَانِ، هَلْ لَكُما في                 حَملِ نجوَى يخِفّ مَحمَلُهَا
    قُولا لـها، إنْ وَعَتْ مَقَالَكُمَا                   ، وَإنّ ذِكْري لـهَا لَيُذْهِلُهَا
        يَا أُمّتَاَ،هَذِهِ مَنَازِلُنَا                                نَتْرُكُهَا تَارَةً، وَنَنْزِلُهَا!
         أسْلَمَنَا قَوْمُنَا إلى نُوَبِ                          أيْسَرُها في القلوبِ أَقْتَلُها
         لَيسَتْ تَنالُ القُيوُدُ من قَدَمي،              وَفي اتّبَاعي رِضَاكَ، أحْمِلُهَا
          أنْتَ سَمَاءٌ، وَنَحنُ أنْجُمُهَا،                      أنْتَ بِلادٌ، وَنَحنُ أجْبُلُهَا!
         أنْتَ سَحَابٌ، وَنَحْنُ وَابِلُهُ،                     أنْتَ يَمِينٌ، وَنَحْنُ أنْمُلُهَا!       بِأيّ عُذْرٍ، رَدَدْتَ وَالِهَةً،                 عَلَيْكَ، دُونَ الوَرَى، مُعَوَّلُهَا
         جَاءتْكَ، تَمتَاحُ رَدّ وَاحِدِهَا،                    يَنْتَظِرُ النّاسُ كَيْفَ تُقْفِلُهَا
         إنْ كُنتَ لمْ تَبذِلِ الفِداءَ لـهَا              ! فَلَمْ أزَلْ، في رِضَاكَ، أبْذِلُهَا
          تِلكَ المَوَدّاتُ، كيفَ تُهمِلُها؟               تِلكَ المَوَاعِيدُ، كَيفَ تُغفِلُهَا؟ 

   تِلكَ العُقُودُ، التي عَقَدْتَ لَنا،              كيفَ، وَقد أُحكِمتْ، تُحلّلُها؟
 أرْحامُنا مِنكَ، لِمْ تُقَطّعُهَا؟                  وَلمْ تَزَلْ، دَائِباً، توصِّلُـها؟
        أينَ المعالي التي عُرِفْتَ بها،                   تَقُولُها، دائماً، وَتَفْعَلُها؟
         يَا نَاعِمَ الثّوْبِ! كَيفَ تُبدِلُهُ؟                   ثِيَابُنَا الصّوفُ مَا نُبَدِّلُهَا
!
الأفكار:
تتضمن القصيدة أفكاراً أهمها:
 - حسرة الشاعر لما يلاقي من آلام وأشواق وهو بعيد عن أهله وفي أسره.
  - يعصف الحنين في صدر الشاعر إلى أمه، فيصف حالها وهي المريضة في الشام، ويصف جزعها عليه، وسؤلها المسافرين عن وحيدها المأسور في بلاد الروم.
  - جواب الشاعر على سؤال أمه عنه، وإظهار خوفه عليها، وشوقه لها، ووصف آلامه ومتاعبه في الأسر وما يتحمله من معاناة، ثم بيان تباطؤ ابن عمه في افتدائه وفك أسره.
  - حواره العاتب مع ابن عمه الذي يقدم فيه صور الوفاء والحب له، مقيماً معادلة بين حالته المنعمة وبين ما هو عليه الآن وهو في الأسر عند الروم في شقاء وعذاب، فبينما كان هو يعتلي ظهور الخيل حُراً طليقاً، يلبس أفخر الثياب ويُخدم كالأمراء، كان الروم مقيدين في الأسر، يلبسون الصوف ويقومون بالأعمال الشاقة التي يفرضها الأسر.
التحليل:
القصيدة يسيطر عليها تياران:
- تيار طلب الفداء الذي نلمسه في مدح أبي فراس لسيف الدولة ، وحبه ووفائه له؛ فإذا كان سيف الدولة سماء ( فنحن أنجمها)، وإذا كان بلاداً ( فنحن أجبلها). وإذا كان سحاباً( فنحن وابله(
وخلال هذا التيار يحث أبو فراس سيف الدولة على الفداء تارة بالتلميح وطوراً بالتصريح فتبدوا حرقة أبي فراس من جراء الغربة وحاجته إلى الحرية.
 - والتيار الثاني هو المتمثل في تلك المقابلة المؤلمة بين أمير حلب وأسرى الروم وأسرى العرب عند الروم، وفي ذلك تقريع يوجهه إلى أميره، وهو أقسى من الهجاء الصريح.
البلاغة والأساليب:
-الألفاظ في القصيدة قريبة المدلول لا أثر لعامل الإيحاء والتصوير عليها.
- العبارات خالية من التعقيد؛ لأنها تعبر عن حالة نفسية واضحة لا تعقيد فيها.
-يفرط أبو فراس في هذه القصيدة في النداء وفي أسلوب الاستفهام المليء بالحيرة والألم والتمزق؛ وذلك لما يُرى في الأسلوبين من تجاوب مع آلامه.من ذلك:كيف تثقلها؟ كيف تهملها؟ كيف تغفلها؟ كيف تحللها؟ لِمْ تقطعها؟
_ تتوالى التذكرات تحاول أن تتلمس في قلب سيف الدولة مكاناً لما يذكره أبو فراس عن(تلك المودات)، وعن(تلك المواعيد)، وعن(تلك العقود).
_ (الهموم تشعلها): استعارة، حيث شبهت كثرة الهموم التي تُحدث حرقة في الأحشاء بالنار المشتعلة، وحذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو( تشعلها)، على سبيل الاستعارة المكنية.
الإعراب:
(أكاد أحملها) : أكاد: فعل مضارع ناقص وهو للمقاربة، واسمه ضمير مستتر فيه وجوباً تقديره(أنا).(أحملها):فعل مضارع مرفوع بالضمة الظاهرة على آخره، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوياً تقديره (أنا)، والهاء ضمير مبني على السكون في محل نصب مفعول به، والجملة الفعلية (أحملها) في محل نصب خبر(أكاد).  )أين المعالي):أين: اسم استفهام مبني على الفتح في محل رفع خبر مقدم وجوباً.المعالي:مبتدأ مؤخر مرفوع بضمة مقدرة على أخره.
شرح قصيدة المعهد العلمي للشاعر التجاني يوسف بشير
إعداد وشرح وتحليل  .د .أبوهداية محمد إسماعيل محمد

للشاعر:التجاني يوسف بشير

ولد بمدينة أمّ درمان سنة 1912م،والتحق بخلوة الكتيابي وحفظ القرآن في سنّ مبكرة،ثمّ التحق بالمعهد العلمي سابقاً(جامعة أمّ درمان الإسلامية الحالية)،واطلع على كتب الأدب والفلسفة فنضجت أفكاره وقال الشعر الجيد في مقتبل عمره،وكانت له آراء خاصة في قضايا الأدب والفلسفة خرجت من مألوف المعهديين فكانت سبباً في فصله من المعهد بتهمة الكفر والإلحاد.
فكّر في الذهاب إلى مصر بعد فصله من المعهد،ولكنّ ظروفه المادية حالت دون ذلك،فعمل بائعاً للبنزين في إحدى محاله،ثمّ محرراً في مجلة(أمّ درمان).   لم يمنعه العمل من مواصلة الاطلاع والسهر مع الكتب مما أثّر في صحته فأُصيب بداء الصدر الذي قضى عليه عام 1927م قبل أن يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره.
له ديوان شعر مطبوع اسماه(إشراقة)ومجموعة من المقالات الأدبية والنقدية بمجلة الرسالة المصرية والنهضة السودانية تدلّ على سعة أفقه،وتفتّح ذهنه،وتمكنه من اللغة والأدب والفلسفة.
مناسبة القصيدة: كان الشاعر من الطلاب المبرزين في المعهد العلمي،مولعاً بالأدب والفلسفة،وله آراء فيهما تخالف تقاليد المعهديين،مما دفع الطلاب لحسده،فرموه بتهمة الكفر والإلحاد زاعمين أنّه فضّل شعر أحمد شوقي على القرآن الكريم مما أدّى إلى فصله من المعهد فكتب هذه القصيدة يعبّر فيها عن شعوره نحو المعهد ،ويُـشير إلى ما اتّهم به،ويسخر من حاسديه.
النصّ:                  السحر فيك وفيك من أسبابه        دعة المــُدلّ بعبقري شبابهِ
يامعهدي ومحطّ عهد صباي من    دار تطرّق عن شباب نابهِ
قسم البقاء إليك في أقداره     من شاد مجدك في قديم كتابهِ
وأفاض فيك من الهُدى آياته  ومن الهوى والسحر ملء نصابهِ
المفردات:السحر:الجمال والحسن،أسبابه:جمع سبب وهو الطريق،الدعة:الخفض،المدلّ:الواثق المعتد، عبقري:نسبة إلى وادي عبقر بالجزيرة العربية،كانت العرب تزعم أنه تسكنه الجنّ،فنسبوا إليه كل شئ أعجبهم حسنه وجودته،محط:منزل، تطرّق عن:خرج من،أفاض:ملأ،آياته: علاماته، النصاب: الأصل.
المعنى:بدأ الشاعر القصيدة بمناجاته للمعهد قائلاً: الجمال والحسن ودواعيه،ومن دواعيه أنّ فيك هولاء الشباب الذين يعيشون في خفض، الشباب المعتدون بأنفسهم،وشبابهم الخلاق،عجباً لك دار قضيت فيها أيام صباي،وتُخرّج شباباً نابهين،وإنّ الله قد كتب لك الخلود والبقاء لأنّه بنى لك مجداً في كتابه الأزلي،وقد جعل فيك مقداراً عظيماً من علامات الهدى والحبّ والحسن،ولعله أراد بعلامات الهُدى علوم القرآن التي تُدرّس في المعهد،والحبّ أراد حبّ طلاب المعهد له،وحبّ غيرهم للمعهد.
الصورة الجمالية:تجسيد المجد حيث استعار له التشييد مشبهاً له بالمبنى:
النّصّ:                اليوم يدفعــــني الحنــــــين فأنثــني   ولهـان مضــطـرباً إلى أعتـابهِ
سبق الهوى عيني في مضماره   وجرى وأجفل خاطري من بابهِ
المفردات: أنثني:أرجع،المضمار:المكان الذي تجتمع فيه الخيل للسباق.
المعنى:يتحدث الشاعر عن حنينه للمعهد العلمي بعد أن تمّ فصله قائلاً:اليوم يدفعني حنيني إلى المعهد فأرجع إليه ولهان من شدّة حبّي له مضطرباً لما يطوف بذاكرتي من مأساتي فيه،فقد أحببته قبل أن أراه وعندما دخلته فُصلتُ منه بعد ذلك ابتعدتُ عنه خائفاً مضطرباً.
الصورة الجمالية:تجسيد الهوى في صورة إنسان يسابق ويدفع وله عينان،وتجسيد الخاطر في إظهاره بصورة إنسان أوحيوان يجري، ويجفل عند باب المعهد.
النّصّ:                ودّعتُ غضّ صباي تحت ظلاله      ودفنتُ بيض سني في محرابهِ
ولقيتُ من عنتِ الزيود مشاكلاً   وبكيتُ من عمرو ومن إعرابهِ
نضّرتُ فجر سني من أندائه          واشترتُ ملء يدي من أعنابهِ
المفردات:الغضّ:الناعم الطري،المحراب:صدركل مكان محرابه،عنت:مشقة وتعب،الزيود جمع زيد،وزيد وعمرو اسمان معربان ضُربت بهما الأمثال كثيراً في كتب النحو القديمة،نضّرت:حسّنت وزيّنت،أندائه:جمع ندىأي قطرات الماء،واشترت: جنيت.
المعنى:لقد قضيت في المعهد أيام صباي الحالمة التي انتهت بخروجي منه،وبخروجي منه انتهت أيام هنائي وسعادتي لتستقبلني الحياة بمشاقها وعنائها،وكانت دراسة النحو مصدر شقاء وتعب لي في المعهد أي كان يفضل دراسة الأدب على النحو،أنني حسّنت أيام حياتي الأولى وزينتها بما تلقيته من علوم فيه.
الصورة الجمالية:تجسيد الصبا بوصفه غضّ،وتجسيد السنين حيث استعار لها البياض،وكنّى ببياض السنين عن السعادة والهناء،  وكنّى عن النحو بالزيوت وعمرو،واستعار الفجر لسنينه الأولى مشبهاً عمره باليوم،واستعار النضارة للسنين،واستعار الأنداء والأعناب للعلوم التي تلقاها في المعهد حيث شبّه المعهد بالبستان.
    النّصّ:                   رفع الشباب إليك من أقلامه           عمداً مركّزة على آدابهِ
وتسابقوا للمجد فيك وكلنا         علق بحقو المجدمن طلابهِ
حتّى يكون المجد وهو مصوّحٌ   في الأرض منقلبٌ على أعقابهِ
صوراً موثّقة العرى في ناشئ        حدثٌ مصوّرة على أعصابهِ
والمجد أجدر بالشباب وإنّما     للناس موجدة على أصحابه
المفردات:عمد:جمع عمود،علق:متعلّق،حقو:خصر،مصوّح:يابس،موثقة:محكمة،العرى:جمع عروة أي عقدة، ناشئ:غلام،حدث:شاب،أجدر:أخلق وأليق،موجدة:حقد وحسد.
المعنى:إنّ طلاب المعهد العلمي قد تصدوا للدفاع عن قضايا العلم والمعرفة معتمدين على ما تلقوه من علوم في المعهد،وقد تسابقوا نحو المجد فأدركوه،حتّى يعيدوا ذلك المجد الضائع إلى حاله الأولى وأصله القديم أي إلى الأمّة العربية،وحتّى يكون المجد همّاً شاغلاً لكل طفل عربي لايبرح عقله وخياله لحظة،وعلى الشباب أن يسعوا في تحقيق المجد لأنّه أليق بهم ولكن عليهم أن يعوا أنّهم سوف لن يسلموا من الحقج والحسد أذا ما كانوا من طلاب المجد لأنّ الناس يحقدون على طلاب المجد؛وكأنّه بذلك يُشير إلى نفسه وحسد طلاب العلم له.
الصورة الجمالية:شبّه الأقلام بالأعمدة،وشبّه ما تلقاه الطلاب من علوم بأرض صُلبة تستند على تلك الأعمدة ،وشبّه قضايا العلم والأدب بشئ يستند على تلك الأقلام،وجسّد المجد بأن استعار له الحقو يمسك به طلاب العلم من خصره،واستعار لذلك للمجد التصويح،وشبّه المجد بالصورة التي تعلق بأذهان وعقول الناشئين.
النّصّ:                هو معهدي ولئن حفظتُ صنيعه   فأنا ابن سرحته الذي غنّى بهِ
فأعيد ناشئة التقى أنْ يرجفوا         بفتًى يمتُّ إليه في أحسابهِ
المفردات:صنيعه:معروفه،سرحته:السرحة الشجرة العظيمة،أعيذ:أربا وأسمو بهم،ناشئة التقى:الناشئين على التقوى،يرجفوا:يختلقوا الأكاذيب،يمتّ إليه:يتصل به،أحسابه:أنسابه.
المعنى:لئن حفظت فضل المعهد عليّ فلا أثاب على ذلك لأنني نشأت تحت ظلاله وتغنيت بجمال صنيعه للأمّة، وكنت أرى طلاب المعهد أكبر من ختلاق الأكاذيب التي تسئ إلى المعهد فيرموني بها وأنا أقربهم صلة بالمعهد، وأشدّهم حبّاً له،فمثل هذه الأخلاق والفعل لا يتوقع من طلاب نشئوا على التقوى.
الصورة الجمالية: استعار السرحة للمعهد،وشبّه نفسه بعصفور،وكنّى عن طلاب المعهد بناشئة التقى، وشخّص المعهد في صورة إنسان تربطه به صلة النسب بالشاعر.
النّصّ:                    مازلتُ أكبر في الشباب واغتدي      وأروح بين بخٍ ويا مرحى بهِ
   حتّى رُميتُ ولست أول كوكبٍ      نَفَسَ الزمان عليه فضل شهابهِ
المفردات:أكبر:أُقدّر وأجلّ،اغتدي:أذهب عند الغدو أي مبكراً،أروح:من الرواح وهوالعودة عشاء،بخٍ:لفظ يقال عند المدحوالرضاء والاستحسان،مرحى:مرحب،رميت:اتهمت كذباً،نفس:حسد،الشهاب:الضو الساطع.
الصور الجمالية:استعار الكوكب للنابغين.
النّصّ:                قالوا وأرجفتْ النفوس وأوجفتْ     هلعاً وهاج وماج قسور غابهِ
كفر ابن يوسف من شقّي واعتدى         وبغى ولست بعابئ أو آبه
قالوا أحرقوه بل اصلبوه بل انسفوا   للريح ناجس عظمه وأهابهِ
ولو أنّ فوق الموت من متلمّس              للمرء مُدّ إليّ من أسبابهِ
المفردات:أرجفت:خاضت فيما يثير الفتنة،أوجفت:اضطربت،هاج:ثار،ماج:اضطرب،القسور:الأسد،ابن يوسف:كنّوا عنه بذلك تحقيراً له،بغى:جار وحاد عن الحق،عابئ:مبال،آبه:مهتم،انسفوا:ذروا،ناجس:نجس،إهابه: جلده،متلمس:مطلوب،أسباب:جمع سبب وهو الطريق. 

الصورة الجمالية:استعار القسور لشيخ المعهد.  
شرح نص قصيدة الحطيئة في قصة الكرم

إعداد وشرح وتحليل  .د .أبوهداية محمد إسماعيل محمد

الكرم سمة من سمات العربي أينما وُجد ،فقد اشتهر بعضهم حتى ضربوا فيه المثل ،قالوا في المثل : " أكرم من حاتم "
واليوم سنكون في ضيافة شاعر عربي في عمق الصحراء بكل قساوتها . أدرك الجاهليّة وأسلم في عهد أبي بكر الصدِّيق ، لا يُعرف له نسب فشبَّ محروماً مظلوماً لا يجد من أهله عوناً أو مددا ،فاضطرّ إلى قرض الشعر يجلب به قوت عياله ،ويدفع عن نفسه الظلم والعدوان ، عاش في بيئة ظلمته فزادت في أوجاعه وجعا ،ولعلَّ هذا الظلم الذي دفعه لهجاء كل من حوله ، فهجا أمَّه وأباه وزوجته ،حتى نفسه لم تسلم من الهجاء . إنه الحطيئة ، تعالوا نتعرَّف على هذا المظلوم من خلال قصيدة الكرم .
النصّ :
وطاوي ثلاثٍ عاصبِ البطنِ مرملٍ                  بتيهاءَ لم يــعرفْ بها سـاكن رَسْمــا
أخي جفوة ٍفيه من الإنـس وحشــــةٌ               يرى البؤسَ فيها من شراسته نُعمـى
وأفرد في شعبٍ عــجـوزاً إزاءَهــا                    ثــلاثــة أشـبــاح تـخــالهــم بَـهمـــا
حُفاةٍ عُراةً مــا اغتذوا خـبـز مــلــة                   ولا عــرفوا للبُّر مذ خُــلِقوا طــعمـا
رأى شـبحاً وســط الـظلام فـراعـه                     فـلمّــا بـدا ضيفــاً تســوَّر واهتــمَّــا
وقال هيا ربّــاه ضــيفٌ ولا قِــرى                    بحقِّــك لا تحــرمـه تــالليــلة اللـحما
وقــال ابـــنه لــمّــا رآه بــحــيــرةٍ أيــا                    أبــتِ اذبــحنــي ويسِّر له طُعما
ولا تعتــذر بالعــدم علَّ الذي طرا                      يــظنُّ لــنــا مــالا فــيوسعـنــا ذمّــا
فــروّى قــليـلاً ثمّ أحــجـم بــرهةً وإن                      هــو لــم يــذبـح فــتاه فـقد همّا
فــبيناهــما عنَّت على البعــد عانةٌ قد                    انتظمت من خلف مسحــلها نظمَا
عِـطـاشًا تريد الماء فانساب نحوها                  علـــى أنّــه مـنهــا إلى دمهــا أظــما
 فأمهــلها حتى تروّت عِــطــاشُهــا                   فــأرســل فيها من كــنانــته ســهــما
 فخرَّت نحوص ذات جحشٍ سمينةٌ                   قد اكتنزت لحمًــا وقد طبّقت شحــما
 فـيـا بِــشره إذ جــرّهــا نحو قومه                  ويا بشــرهــم لــمّا رأوا كــَلمها يدمى
 فباتوا كرامًا قد قضوا حقّ ضيفهم                   فلم يغرموا غُرمًا وقد غــنموا غُــنما
وبات أبــوهم مــن بشاشــتــه أبــا                   لــضيفــهم ُ والأُمُّ من بشــرهــا أُمّــَا
الشرح والتحليل :
بدأ الشاعر قصيدته بوصف حال الأب وما يبدو عليه من علامات البؤس والفقر،فهو يعاني من الجوع منذ ثلاث ليالي ،ولذلك يستهلُّ الشاعر صوره الجميلة بصورة الأب وقد عصب بطنه بعد نفاذ زاده في الصحراء الخالية من السكان ،ولا يبدو عليه أيّ أثر للنعمة ، يعاني من الوحشة و الوحدة ما يعاني ، حتى بات يرى فقره نعمة مقارنة مع ما يعانيه من وحدة ووحشة .
ينتقل بنا الشاعر بأسلوبه الجميل يصف حال أولاده وزوجته الذين يعيشون دون طعام أو شراب ،فتبدو عليهم قسوة الحياة ؛حفاة،عراة ،ما اغتذوا خبز مَلَّة ،هذه القسوة وهذا الجوع حوَّلهم إلى أشباح ،فهم لا يعرفون للخبز طعماً مذ خُلقوا .
هذه المقدِّمة وضعنا فيها الشاعر تمهيداً لبدء أحداث القصة عندما رأى الأب شبحاً قادماً من بعيد ،هذا الشبح أثار في نفسه الخوف والريبة ،ولكن عندما تبّن أنه ضيف ثار وانفعل واعتراه الهم ،وشرع بالتَّوسل إلى الله أن يرزقه الطعام ليقدِّمه للضيف . وعندما رآه ولده في حيرة من أمره قال له : اذبحني وقدِّم له لحمي طعاماً ولا تعتذر له حتى لا يظن أن لدينا المال ونمنعه فيذهب بنا ذمّاً بين القبائل
بدأ الأب التفكير بالعرض المغري الذي قدَّمه الابن ، وبعد تفكير عميق بين التَّردد والقلق همَّ بذبحه ،وفجأة وبصورة سينمائيّة تظهر من بعيد قطعان من البقر الوحشي تقصد عين الماء ،فانساب نحوها ،وأمهلها لتروي عطشها اصطاد من بينها واحدة سمينة ، بها بشَّر أهله وتخلَّص من دائرة الإحراج أمام الضَّيف
كما وفِّق الشاعر في مطلع قصيدته ،وُفِّق في اللقطة الختاميّة ،حيث أشعرنا بنهاية القصة القصيدة إذ أوحى لنا بذلك عندما قال : " فيا بشره إذ جرَّها نحو قومه
الصورة الفنيّة :  
عجَّت القصيدة باللوحات الفنيّة و الصور الرائعة التي استمدَّها من البيئة المحيطة ومن مخزونه الثقافي ،موظِّفاً هذه الصور لشدّ انتباه المتلقي ، ظهر هذا في مطلع القصيدة عندما صوَّر الأب وقد شدَّ بطنه بعصبة ليخفف ألم الجوع ،وهذه عادة في مجتمع الفقراء فنقول: شدَّ على بطنه حجراً ليخفف ألم الجوع . وفي البيت الثالث يقدِّم صورة العجوز في طريق بين جبلين ، وإلى جانبها ثلاثة أطفال بصورة أشباح لنحول أجسامهم ،و يُتبع الصورة بصورة أُخرى ليزيد من حجم المأساة عندما يصوِّر أطفاله بولد الضان الهزيل
في البيت السابع تبرز صورة الأب محتاراً في حالة تردد واضطراب ،إذ أقبل إليه ولده يطلب منه ذبحه وتقديم لحمه للضيف ،هذه الصورة تدلُّ على أن القرآن الكريم مصدر من مصادر ثقافة الشاعر ،إذ تعيد إلى أذهاننا مشهد شيدنا إبراهيم الخليل عندما همَّ بذبح سيدنا إسماعيل فافتداه الله بكبش سمين ،وهذا هو الله تعالى يفتدي الابن بنخوص ممتلئة الشَّحم واللحم .
ورغم الجوع والعطش إلا أن الشاعر أبدع في تصوير حركة الأب المتعطّش للحم الحمر الوحشيّة ، الذي انساب نحوها بهدوء كي لا تنفر ، وأبرز الجانب الإنساني عندما أمهلها حتى شربت وارتوت ،،ثمَّ أخرج من جعبته سهما أرسله فأصابها
باختصار كانت الصور عند الحطيئة زاخرة بالحركة و الحيوية ،تعبيريّة بعيدة عن التقريريّة والجمود


الأفكار الرئيسة :
بعد شرح المعاني وتوضيح الصور الفنيّة في النص ، نستطيع الوقوف على الفكرة العامة من خلال الأفكار الفرعيّة التي جاءت مرتبطة بالقيم الاجتماعيّة وأبرزها الكرم ،وُفِّق الشاعر بعرضها مستعيناً بالصورة الفنيّة الرائعة التي استطاع أن يرسمها بدقَّة متناهية ليشد انتباه المتلقي وحثَّه على تصوّر المقطع المشهدي ،لاسيما أن القصيدة تنتمي إلى الشعر القصصي وتحتاج إلى تصوّر ذهني من المتلقي . فتعالوا نتعرّف إلى هذه الأفكار
1- وصف الأب والأبناء في الصحراء            2-  مقدم الضيف والحوار بين الأب والابن
3-  اصطياد واحدة من الحمر الوحشية                4- فرحة الأب والزوجة بإكرام الضيف .
من خلال هذه الأفكار الفرعية نستنتج الفكرة العامة " الكرم العربي رغم البؤس "
لعبت براعة الشاعر دوراً بارزاً في الانتقال من فكرة إلى فكرة أخرى والربط بين الفكرة والتي تليها دون أن يشعرك في عمليّة الانتقال وهذا ما يطلق عليه حسن التخلّص
 . لغة النص :
برع الحطيئة باختيار ألفاظ القصيدة التي جاءت منسجمة مع الجو العام ،فقد وظَّف لوصف حال الأب والزوجة والأبناء في الصحراء ألفاظاً تحمل دلالات الفقر والوحشة مثل : طاوي ،عاصب البطن ،مرمل ،أخي جفوة ،بؤس ،أشباح ،حفاة،عراة . هذه الألفاظ تستطيع أن تحمل دلالات القلق والخوف من المجهول ، وفي لحظات القلق والخوف وظَّف ألفاظاً لوصف الحالة الانفعاليّة المهزومة لما أصابها من همِّ وغمِّ لمقدم الضيف ، حتى في تلك اللحظات التي عرض ابنه عليه ذبحه نحو؛ يسوَّر، راعه ، حيره ، اهتمَّ
هذه الانفعالات النفسيّة التي عاشها الأب ، دَفَعَته للاستغاثة ، وقد أبدع الشاعر في رسمها من خلال استخدام أساليب الاستغاثة والقسم والدعاء للدلالة على حجم المعاناة والقلق والحاجة الماسَّة لاستجابة الله لدعائه ، فقال : " هيا ربَّاه ضيف ولا قرى " وكذلك " بحقِّك لا تحرمه تالليلة اللحما
حتى في مشهد ورود الحمر الوحشية إلى الماء رسم صورته بطريقة هندسيّة " انتظمت من خلف مسحلها " ، " وأرسل من كنانته سهما " ، فقد أحسن في توظيف اللفظ أرسل للدلالة على الهدوء والثقة ، ولذلك كانت رميته صائبة ، في حين لو استخدم اللفظ رمى لكانت الصورة موحية بالاضطراب والتسرّع ، وربما كانت رميته طائشة
ولأن الشاعر بنى قصيدته على التوتّر والقلق ، شاع استخدام الأفعال الدالة على الحركة لإشاعة الحركة داخل النص التي من شأنها تقريب المشهد عند المتلقَّي ، فوظَّف الأفعال ؛اذبحني ، أحجم ،خرَّت ،جرَّ ،انساب ، هذه الأفعال جعلت الصور مشحونة بالحركة " أرسل من كنانته سهما " صورة حركيّة تدلّْ على العزم والتصميم ، " أمهلها حتى تروَّت عطاشها " صورة حركيّة وهو يترقَّب بقلق .
العاطفة:
تنوَّعت العواطف في النص ، فجاءت خليطاً بين البؤس والحزن والقلق والتوتّْر ، وبرزت بشكل واضح :
 ـ عاطفة الرِّضى والقبول بالأمر الواقع ،وهو قسوة الحياة .   ـ عاطفة الأسى والحزن على الأبناء     
       ـ عاطفة الخوف من التقصير بحق الضيف      ـ عاطفة البُشرى والفرح بالصيد الثمين .
الموسيقى :
بنى الشاعر قصيدته على البحر الطويل ، هذا البحر منحه طول نفس في البيت الواحد ، ومنحه مساحة واسعة ليعبّرِ عن انفعالاته النَّفسيّة مستخدماً قافية الميم وألف الإطلاق التي جاءت مناسبة لموضوع القصيدة ، وساعدته على إطلاق آلامه وشكواه من قسوة الحياة .
عناصر القصَّة في القصيدة :
بدا النص في مجمله قصَّة شعريّة قصيرة ، احتوت العناصر الدراميّة بكل أبعادها ، مبرزة عاطفة الألم التي ملأت قلب الشاعر وسيطرت على مشاعره ، ولا نعلم إذا كانت هذه القصة حقيقيّة لأم خياليّة ، إلا أنها جاءت ولها بداية ووسط ونهاية ، تعتمد على تسلسل الأفكار والمعاني ، مما حقق لها الوحدة العضويّة والوحدة الموضوعيّة . وللوقوف على أركان القصة ، يظهر المكان وهو الصحراء ، والزمان هو زمان عاش فيه الحُطيئة ، استطاع الشاعر أن يحرِّك شخوصه بفنيّة عالية وهم؛الأب والأبناء والضيف وإن لم يظهر صوت الأم والراوي ، وفي الحدث نرى امرأة فقيرة تعيش في الصحراء مع أطفالها بدون طعام وماء ، يتنامى الحدث وتتوالى حركات الخوف والقلق والاضطراب عند الشخوص ، وتتأزَّم العقدة عندما يرى الأب ضيفا قادما ولا طعام ، وتصل ذروة التّأزُّم في عرض الابن على أبيه ذبحه ، فيزداد الصراع النفسي الداخلي عند الأب من خلال الحيرة والقلق ؛ روَّى ، أحجم ، همَّ . وتبدأ العقدة بالحل عندما يظهر قطيع من الحمر الوحشيِّة قرب العين لشرب الماء .

بذلك اكتملت عناصر القصّة التي رسمها الحطيئة ببراعة بأبيات قليلة مقتصراً على الأحداث الضروريّة ، وهذا هو التَّكثيف في لغة النقد الحديث